فصل: بَابُ عِتْقِ الْعَبْدِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ عِتْقِ الْعَبْدِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ:

أَكْثَرُ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ حَتَّى إنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي إنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَمَا لَمْ يُؤَدِّ السِّعَايَةَ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدِهِ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ»، وَفِي الْكِتَابِ ذُكِرَ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطٌ لِلرِّقِّ، وَالرِّقُّ لَا يَتَجَزَّأُ ابْتِدَاءً، وَبَقَاءً فَإِسْقَاطُهُ بِالْعِتْقِ لَا يَتَجَزَّأُ أَيْضًا كَمَا أَنَّ الْحِلَّ لَمَّا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ ابْتِدَاءً، وَبَقَاءً فَإِبْطَالُهُ بِالطَّلَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ فِعْلَهُ إعْتَاقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْفِعَالِ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ، وَبَعْدَ انْفِعَالِ الْعِتْقِ فِي بَعْضِ الشَّخْصِ لَوْ بَقِيَ الرِّقُّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ كَانَ فِي ذَلِكَ تَجَزِّي الرِّقُّ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى الْعِتْقِ مِنْ الْأَحْكَامِ يُضَادَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ مِنْ تَكْمِيلِ الْحُدُودِ، وَالْأَهْلِيَّةِ لِلشَّهَادَاتِ، وَالْإِرْثِ، وَالْوِلَايَاتِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ؛ وَلِأَنَّ اتِّصَالَ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَقْوَى مِنْ اتِّصَالِ الْجَنِينِ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِغَرَضِ الْفَصْلِ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْأُمِّ يُوجِبُ عِتْقَ الْجَنِينِ لَا مَحَالَةَ فَإِعْتَاقُ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ لَأَنْ يُوجِبَ عِتْقَ النِّصْفِ الْآخَرِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَحَقِيقَةُ الْعِتْقِ أَوْلَى.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ، وَرَقَّ مَا رَقَّ»، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُعْتِقُ الرَّجُلُ مِنْ عَبْدِهِ مَا شَاءَ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ سَيَصِيرُ حُرًّا كُلُّهُ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ، فَيَكُونُ فِيهِ بَيَانًا أَنَّهُ لَا يُسْتَدَامُ الرِّقُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا؛ وَلِأَنَّ هَذَا إزَالَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَيُجْزِئُ فِي الْمَحَلِّ كَالْبَيْعِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلْمَالِيَّةِ دُونَ الرِّقِّ فَالرِّقُّ اسْمٌ لِضَعْفٍ ثَابِتٍ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مُجَازَاةً وَعُقُوبَةً عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ كَالْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَقَاءِ صِفَةِ الرِّقِّ فِي الْمَحَلِّ كَمَا لَا يَكُونُ حَيًّا إلَّا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحَيَاةِ فِي الْمَحَلِّ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالِيَّةَ، وَمِلْكُ الْمَالِيَّةِ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَإِنَّمَا يَزُولُ بِقَدْرِ مَا يُزِيلُهُ، وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى كَانَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ.
وَهَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ السِّعَايَةِ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ إزَالَةُ مِلْكٍ لَا إلَى أَحَدٍ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى فِعْلُهُ إعْتَاقًا مَجَازًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا تَمَّ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ يَعْقُبُهُ الْعِتْقُ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ لَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُزِيلُ مُلَاقِيًا لِلرِّقِّ، كَالْقَاتِلِ فِعْلُهُ لَا يَحِلُّ الرُّوحَ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ الْبِنْيَةَ، ثُمَّ بِنَقْضِ الْبِنْيَةِ تُزْهَقُ الرُّوحُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ قَتْلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَئِنْ كَانَ فِعْلُهُ إعْتَاقًا فَالْعِتْقُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى الْإِعْتَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَالْإِعْتَاقُ فِي نَفْسِهِ مُنَجَّزٌ حَتَّى يُتَصَوَّرَ مِنْ جَمَاعَةٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَالْعِتْقُ لِلْبَعْضِ إنَّمَا يُوجَدُ شَطْرُ الْعِلَّةِ فَيَتَوَقَّفُ عِتْقُ الْمَحَلِّ إلَى تَكْمِيلِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ إبَاحَةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ تَنْبَنِي عَلَى غَسْلِ أَعْضَاءٍ هِيَ مُتَجَزِّئَةٌ فِي نَفْسِهَا حَتَّى يَكُونَ غُسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مُطَهِّرًا ثُمَّ يَتَوَقَّفُ إبَاحَةُ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى إكْمَالِ الْعَدَدِ، وَحُرْمَةُ الْمَحَلِّ لَا تَتَجَزَّى، وَإِنْ كَانَ يَنْبَنِي عَلَى طَلْقَاتٍ هِيَ مُتَجَزِّئَةٌ حَتَّى كَانَ الْمُوَقِّعُ لِلتَّطْلِيقَةِ، وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ مُطَلِّقًا، وَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ عَلَى كَمَالِ الْعَدَدِ، فَهُنَا أَيْضًا نُزُولُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ بِإِعْتَاقِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ مُعْتَقًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْتَضِي انْفِعَالَ الْعِتْقِ كَمَا قَالَ، وَلَكِنْ لَا يَقْتَضِي الِاتِّصَالَ بِالْإِعْتَاقِ بَلْ يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْإِعْتَاقِ، وَيَتَأَخَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الْمَحَلِّ إلَى إكْمَالِ الْعِلَّةِ فَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَقَدْ قِيلَ يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي حَتَّى لَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً، وَرَأَى الصَّوَابَ فِي أَنْ يَسْتَرِقَّ أَنْصَافَهُمْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْقَهْرُ لَا يَتَجَزَّأُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ قَهْرُ نِصْفِ الشَّخْصِ دُونَ النِّصْفِ، وَالْحُكْمُ يَنْبَنِي عَلَى السَّبَبِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِيلَادُ سَبَبُهُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ فَأَمَّا عِتْقُ الْجَنِينِ عِنْدَ إعْتَاقِ الْأُمِّ لَيْسَ لِأَجْلِ الِاتِّصَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ إعْتَاقَ الْجَنِينِ لَا يُوجِبُ إعْتَاقَ الْأُمِّ وَالِاتِّصَالُ مَوْجُودٌ، وَلَكِنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا كَيَدِهَا، وَرِجْلِهَا، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ ثُبُوتُهُ فِي الْمَتْبُوعِ وَأَحَدُ النِّصْفَيْنِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلنِّصْفِ الْبَاقِي فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ إعْتَاقُ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ مُوجِبًا لِلْعِتْقِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي.
فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ جَازَ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلِلسَّاكِتِ ثَلَاثُ خِيَارَاتٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ فَإِذَا أَدَّى السِّعَايَةَ إلَيْهِ عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ نِصْفَ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَلِلسَّاكِتِ خِيَارَانِ: إنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ تَضْمِينِ الشَّرِيكِ إلَّا عَلَى قَوْلِ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، وَالْقِيَاسُ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُعْتِقِ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ يُفْسِدُ عَلَى الشَّرِيكِ نَصِيبَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ مِلْكِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِهِ، وَضَمَانُ الْإِفْسَادِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْعُسْرَةِ، أَوْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُعْتِقِ ضَمَانٌ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَالْمُتَصَرِّفُ فِي مِلْكِهِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَإِنْ تَعَدَّى ضَرَرُ تَصَرُّفِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، كَمَنْ سَقَى أَرْضَهُ فَنَزَّتْ أَرْضُ جَارِهِ أَوْ أَحْرَقَ الْحَصَائِدَ فِي أَرْضِهِ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ مِلْكِ جَارِهِ.
وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَيْنِ لِلْآثَارِ فَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ فِي الْمَمْلُوكِ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ» وَهَكَذَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَعُمَرَ بْنِ شُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَرَفَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّنَهُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَحَبَسَهُ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ فِي ذَلِكَ»، وَذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي النِّصْفِ لِصَاحِبِهِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ وَلِإِخْوَةٍ لَهُ صِغَارٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ يُسْتَأْنَى بِالصِّغَارِ حَتَّى يُدْرِكُوا فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الْقِيمَةَ فَلِهَذِهِ الْآثَارِ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ دُونَ الْعُسْرَةِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ يَسَارُ الْيُسْرِ، لَا يَسَارُ الْغِنَى حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ قَدْرُ قِيمَةِ الْمَمْلُوكِ- فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ: قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ ذَلِكَ»، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ التَّقَرُّبَ، وَالصِّلَةَ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِعِتْقِ مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إتْمَامِهِ بِمِلْكِهِ مِقْدَارَ مَا يُؤَدِّيه إلَى شَرِيكِهِ كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ هَذَا الضَّمَانِ بِالْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى النَّظَرِ لَلشَّرِيكِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ يَتَأَخَّرُ وُصُولُ حَقِّهِ إلَيْهِ، وَإِذَا ضَمَّنَ شَرِيكَهُ يَتَوَصَّلُ إلَى مَالِيَّةِ نَصِيبِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا خِيَار لِلسَّاكِتِ، وَإِنَّمَا لَهُ تَضْمِينُ الشَّرِيكِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَاسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَبِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ.
وَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ عِنْدَهُمَا كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إلَّا فِي حَرْفٍ، وَاحِدٍ يَقُولُ إذَا سَعَى الْعَبْدُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ، وَقَاسَ بِالْعَبْدِ الْمَرْهُونَ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَيْسَرَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ إذَا كَانَتْ عُسْرَةُ الْمُعْتِقِ تَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِلسَّاكِتِ فَكَذَلِكَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ، وَمَالِيَّتِهِ، وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ بَلْ فِي الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَمَنْ كَانَ مُجْبَرًا عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ مِنْ جِهَتِهِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَيْهِ فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مُوسِرًا يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَسْتَدِيمَ الرِّقَّ فِي نَصِيبِهِ، وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا شَاءَ، وَقَالَ لَا أَعْرِفُ السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ عُسْرَةَ الْعَبْدِ أَظْهَرُ مِنْ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل مِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِعُسْرَتِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مُعْسِرٌ جَانٍ وَالْعَبْدُ مُعْسِرٌ غَيْرُ جَانٍ، وَهَذَا لَوْ لَزِمَهُ السِّعَايَةُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ.
، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ إلْزَامِهِ الْمَالَ بَدَلًا عَنْ رَقَبَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ، أَوْلَى.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ بِشْرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا قِيمَةَ عَدْلٍ، وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِهِ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ عَلَيْهِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَقَدْ اُحْتُبِسَ عِنْدَ الْعَبْدِ لِمَا قُلْنَا أَنَّ بَعْدَ إعْتَاقِ الْبَعْضِ يَمْتَنِعُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيمَا بَقِيَ لِوُجُوبِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَالَةُ الْيَسَارِ فَإِنَّ حُكْمَ الْمَحَلِّ لَا يَخْتَلِفُ بِيَسَارِ الْمُعْتِقِ، وَعُسْرَتِهِ، وَمَنْ احْتَبَسَ مِلْكَ الْغَيْرِ عِنْدَهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا وُجِدَ مِنْهُ الصُّنْعُ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ كَمَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ، وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ إنْسَانٍ فَانْصَبَغَ كَانَ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ صَبْغِهِ إذَا اخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ إمْسَاكَ الثَّوْبِ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا لِاحْتِبَاسٍ نَصِيبِ الشَّرِيكِ عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لِاحْتِبَاسِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ عِنْدَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِعَقْدِ التَّرَاضِي، وَوُجُوبَ السِّعَايَةِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِلِاحْتِبَاسِ، وَذَلِكَ مُتَقَرِّرٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ فَأَمَّا بَيَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ: عِنْدَهُ الْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ فَإِنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْتِقِ فَقَطْ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا أَعْتَقَهُ كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَاهُ مَعًا، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ اُحْتُبِسَ عِنْدَ الْعَبْدِ حِينَ تَعَذَّرَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَإِذَا اسْتَسْعَاهُ فَأَدَّى السِّعَايَةَ عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَتَقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ ثُمَّ بِالتَّضْمِينِ يَصِيرُ مُمَلَّكًا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ فَيَلْتَحِقُ بِمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَهُ، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَهُ؛ وَلِأَنَّهُ بِالتَّضْمِينِ يُقِيمُ الْمُعْتَقَ فِي نَصِيبِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَهُ، أَوْ يَسْتَسْعِيَهُ فَيَثْبُتَ ذَلِكَ لِلْمُعْتَقِ بَعْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلِهَذَا قَالَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْغَيْرِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ فِي حَقِّهِ، وَالسِّرَايَةُ عِنْدَهُمَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ مُصَادَفَةِ الْعِتْقِ مَحَلَّهُ، وَإِذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ كَانَ لَغْوًا.
وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: التَّدْبِيرُ يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فَيَبْقَى بَعْدَ تَدْبِيرِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبُ الْآخَرِ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ وَلِلْمُدَبِّرِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي نَصِيبِهِ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْبَيْعُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ إلَى مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ الشَّرِيكِ فَيُضَمِّنُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنَّمَا يُضَمِّنُهُ مُدَبِّرًا؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ، وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِنُقْصَانِ التَّدْبِيرِ، وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مَنْ ضَمَّنَهُ، وَقَدْ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبِّرًا، وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ اسْتَحَقَّ وَلَاءَ نَصِيبِهِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ، وَإِنْ ضَمِنَ شَرِيكَهُ بِخِلَافِ الْقِنِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- حِينَ دَبَّرَهُ الْأَوَّلُ صَارَ الْكُلُّ مُدَبَّرًا لَهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ كَالْعِتْقِ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ ثُمَّ إعْتَاقُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُهُ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الثَّانِي وَهُمَا مُوسِرَانِ فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا، وَالْأَوَّلِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ صَارَ الْكُلُّ مُدَبَّرًا لَهُ، وَهُوَ ضَامِنٌ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ، وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ فَالْإِعْتَاقُ مِنْ الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ لَغْوٌ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَدْبِيرُ الْمُدَبَّرِ يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ.
وَالْإِعْتَاقُ مِنْ الثَّانِي صَحِيحٌ لِمُصَادَفَتِهِ الْمَحَلَّ ثُمَّ لِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبَّرَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ صَارَ نَصِيبُهُ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ إلَّا إلَى الْمُدَبَّرِ بِالضَّمَانِ فَلَوْ أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْمُعْتِقِ بِالضَّمَانِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبَّرُ دُونَ الْمُعْتِقِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ، وَإِذَا ضَمَّنَ الْمُدَبَّرَ فَلِلْمُدَبَّرِ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ فَيَسْعَى لَهُ فِيهِ، وَلِلْمُدَبَّرِ أَيْضًا أَنْ يُضَمِّنَ الَّذِي أَعْتَقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ بِإِعْتَاقِ الْمُعْتِقِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ مَا أَدَّى إلَى السَّاكِتِ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ فَكَذَلِكَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلِأَنَّ صُنْعَهُ، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وُجِدَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمُدَبَّرُ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَلِهَذَا لَا يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ هَذَا الثُّلُثِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتِقِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبَّرِ وَثُلُثُهُ لِلْمُعْتَقِ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَشَهِدَ كُلُّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَصَاحِبُهُ مُنْكِرٌ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ مُوسِرَيْنِ، أَوْ مُعْسِرَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
فَأَمَّا فَسَادُ رِقِّ الْعَبْدِ فَلِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ ثُمَّ يَسَارُ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَهَادَتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ يَدَّعِي السِّعَايَةَ لِنَفْسِهِ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَيَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ إلَّا أَنَّ الضَّمَانَ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ فَتَبْقَى السِّعَايَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْعَبْدِ، وَعِنْدَ الْأَدَاءِ يُعْتَقُ نَصِيبُ كُلِّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى حُرِّيَّتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ مِنْ جِهَةِ السِّعَايَةِ، وَيَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ، وَمَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الضَّمَانِ عَلَى شَرِيكِهِ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ هُنَا فَإِنَّهُ يَقُولُ شَرِيكِي مُعْتِقٌ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُعْسِرِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ يَدَّعِي السِّعَايَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ شَرِيكِي مُعْتِقٌ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلِي اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ نَصِيبِي، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ يَتَبَرَّى مِنْ السِّعَايَةِ، وَيَقُولُ شَرِيكِي مُعْتِقٌ وَهُوَ مُوسِرٌ فَحَقِّي فِي الضَّمَانِ قِبَلَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ بِالتَّبَرِّي مِنْهُ، وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِجُحُودِهِ وَالْوَلَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِي الْوَلَاءَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُعْتِقُ فَلِهَذَا تَوَقَّفَ الْوَلَاءُ، وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ، وَاخْتَارَ الْآخَرُ تَضْمِينَهُ فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا نَظَرَ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَصَادَقَا فِيمَا مَضَى يُقَوَّمُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ فَيُحَالُ بِحُدُوثِهِ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ ظُهُورِهِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِفْسَادِ أَوْ الْإِتْلَافِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتَهُ وَقْتَ تَقَرَّرَ السَّبَبُ، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الْعِتْقِ فَلِهَذَا يُقَوَّمُ فِي الْحَالِ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ السَّاعَةَ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ السَّاعَةَ، وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ هَذَا كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ حَتَّى إذَا انْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِزِيَادَةِ السِّنِّ فَإِنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ، وَالنُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَى الشَّرِيكِ هُوَ الْعِتْقُ فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ.
، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِهِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ، وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَحْرَقَ الْبِنَاءَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ فِي قِسْمَةِ الثَّمَنِ، وَيَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ فِي الْحَالِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ هُنَاكَ يَتَمَلَّكُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْعَرْصَةَ فَهُوَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي حَقَّ التَّمَلُّكِ بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَهُنَا السَّاكِتُ يُمَلِّكُ الْمُعْتِقَ نَصِيبَهُ بِالضَّمَانِ، فَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ التَّمْلِيكِ فِيهِ بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ، وَالْمُعْتِقُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا كَانَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مَا كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَوْرِيثُ الْخِيَارِ بَلْ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ الْخِيَارُ ثَابِتًا لِلْمُوَرِّثِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُعْتِقَ فَإِنْ ضَمَّنُوهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَهُمْ كَمَا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ اخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ، أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَالْوَلَاءُ فِي هَذَا النَّصِيبِ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُونَ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ لَا تُورَثُ عَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ يُورَثُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوَلَاءُ يَكُونُ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ.
وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ السِّعَايَةَ، وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا نَالَهُ قَامَ مَقَامَ الْمَيِّتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ يَثْبُتُ حُكْمًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ بِالضَّمَانِ فَكَمَا أَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِالضَّمَانِ مِنْ الْمُعْتِقِ فَكَذَلِكَ يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى التَّضْمِينِ، أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ فَكَذَلِكَ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَصِيبَ السَّاكِتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَصْلُ الْوَلَاءِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّهُمْ خَلَفُ الْمُوَرَّثِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُوَرَّثِ أَنْ يَخْتَارَ التَّضْمِينَ فِي الْبَعْضِ، وَالسِّعَايَةَ فِي الْبَعْضِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ ذَلِكَ، وَفَرَّعَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ.
وَقَالَ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إعْتَاقِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ يُعْتِقُهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرَّثِ لَا يَعْتِقُ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَهَذَا كَذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ السَّاكِتُ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الشَّرِيكُ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَالضَّمَانُ غَيْرُ مُتَقَرَّرٍ عَلَى الشَّرِيكِ مَا لَمْ يَخْتَرْ ضَمَانَهُ فَإِذَا هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَرِّرَ الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِاخْتِيَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ اخْتِيَارِ التَّضْمِينِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ نَصِيبَهُ مِنْهُ بِالضَّمَانِ، وَقَدْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ، وَهُوَ فَسَادٌ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، وَمَوْتُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْغَصْبِ لَا يَمْنَعُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مِنْ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ التَّمْلِيكُ مِنْهُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَضْمَنُهُ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ، وَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ عِنْدَ ذَلِكَ فَذَلِكَ الْحُكْمُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ خَرَجَ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلتَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ فَإِذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ فِي تَرِكَةِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فِيمَا ضَمِنَ فَإِذَا مَاتَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا رَجَعَ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ فِي تَرِكَةِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ مُسْتَحَقَّةٌ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَسْتَوْفِيَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَكَ مَالًا قَدْ اكْتَسَبَ بَعْضَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَبَعْضَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَمَا اكْتَسَبَ قَبْلَ الْعِتْقِ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلْكِهِمَا حِينَ اكْتَسَبَ هَذَا الْمَالَ، وَالْكَسْبُ لِمَالِكِ الْأَصْلِ، وَمَا اكْتَسَبَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهُوَ تَرِكَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ يَرْجِعُ فِيهِ السَّاكِتُ، أَوْ الْمُعْتِقُ إذَا ضَمِنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِلْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مَلَكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ فَكَانَ الْوَلَاءُ فِي الْكُلِّ لَهُ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هَذَا مِمَّا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَهُوَ بَيْنَنَا، وَقَالَ الْآخَرُ: اكْتَسَبَ بَعْدَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اكْتَسَبَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ بِحُدُوثِهِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَمَنْ ادَّعَى فِيهِ تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ، وَالْمُعْتِقُ مُوسِرٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَيِّتٌ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ فِي الْحَالِ لِيُسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى قِيمَتِهِ فِيمَا مَضَى، فَيَتَعَيَّنُ ظَاهِرُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ، وَالسَّاكِتُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ زِيَادَةً، وَالْمُعْتِقُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، وَلَا كَسْبَ لِلْعَبْدِ فَنِصْفُ الْقِيمَةِ دَيْنٌ لِلسَّاكِتِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ مَدِينٍ هَلَكَ مُفْلِسًا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا فَصَالَحَهُ السَّاكِتُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَهُوَ بِالصُّلْحِ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ، وَاسْتَوْفَى الْبَعْضَ، وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ بِذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ، فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ شَرْعًا فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهِ يَكُونُ رِبًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ شَرْعًا، فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالصُّلْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ الْمُعْتِقُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَالْفَضْلُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ يَتَقَدَّرُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ يَكُونُ رِبًا، ثُمَّ هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْمَغْصُوبِ الْهَالِكِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ وَيَقُولُ: هُنَاكَ الْمَغْصُوبُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ تَمْلِيكَهُ مِنْ الْغَاصِبِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الضَّمَانِ لِيَبْقَى هَالِكًا عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ شَرْعًا فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا، وَهُنَا السَّاكِتُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ اسْتِبْقَاءِ نَصِيبِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إزَالَتَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ إمَّا سِعَايَةً عَلَى الْعَبْدِ، أَوْ ضَمَانًا يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الشَّرِيكِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ فِي هَذَا الصُّلْحِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ شَرْعًا تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا يَضْمَنُ فَلَوْ صَحَّحْنَا هَذَا الصُّلْحَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ وَكَمَا لَيْسَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يُلْزِمَ الْعَبْدَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ بِالصُّلْحِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ مَنْ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ.
وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عَرُوضٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ هُنَاكَ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عَفْوٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِالزِّيَادَةِ.
(قَالَ)، وَإِنْ صَالَحَ الْعَبْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ قَالَ عِيسَى: هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ اسْتَحَقَّ السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَى حَيَوَانٍ كَانَ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ، وَلَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ مَا هُوَ مَالٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَ الْعَبْدُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَى حَيَوَانٍ إلَى أَجَلٍ فَكَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الصُّلْحِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ بِمَا يَصِحُّ الْعِتْقُ عَلَيْهِ، وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْعِتْقِ.
وَإِذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْيَسَارِ فِي الْعِتْقِ تُعْتَبَرُ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ فَإِذَا انْعَدَمَ، وَقْتَ الْإِعْتَاقِ تَقَرَّرَ الْعِتْقُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ وَإِنْ قَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْت، وَأَنَا مُعْسِرٌ وَقَالَ الشَّرِيكُ بَلْ أَعْتَقْت، وَأَنْتَ مُوسِرٌ نُظِرَ إلَى حَالِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا مَضَى يَحْكُمُ الْحَالُ فَإِذَا كَانَ الْحَالُ مُوسِرًا فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْيَسَارَ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فِي الْحَالِ فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْعُسْرَةَ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ كَشُرْبِ الرَّحَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ يَحْكُمُ الْحَالُ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ سَابِقًا مِنْهُ فِي مُدَّةٍ قَدْ يَخْتَلِفُ حَالُهُ فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ فِي إنْكَارِ يَسَارِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فَهُوَ كَإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْإِعْتَاقِ.
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَهُ فَاخْتَارَ الشَّرِيكُ ضَمَانَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ، وَيَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالضَّمَانِ، أَوْ رَضِيَ بِهِ الْمُعْتِقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ.
قِيلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مُطْلَقًا مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ وَقِيلَ بَلْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُخْبِرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ التَّضْمِينَ يَصِيرُ مُمَلَّكًا نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعْتِقِ حَتَّى يَكُونَ، وَلَاؤُهُ لَهُ وَالْوَلَاءُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَمْلِيكِهِ مِنْهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ قِبَلَ الْعَبْدِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ، أَوْ الرِّضَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا شَرْعًا كَالتَّمْلِيكِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَحَقُّهُ فِي الضَّمَانِ لَا يَتَقَرَّرُ مَا لَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ، وَسُقُوطُ حَقِّهِ فِي الِاسْتِسْعَاءِ بِنَاءً عَلَى تَقَرُّرِ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْغَاصِبِ، وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا فَقَبِلَ الْقَضَاءَ، أَوْ الرِّضَا مِمَّنْ اخْتَارَ ضَمَانَهُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُضَمِّنَهُ الْآخَرَ، فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّرِيكَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ أَحَدٍ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرٌ لِمِلْكِهِ، وَإِبْرَاءٌ لِلْمُعْتِقِ عَنْ الضَّمَانِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبَهُ وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتِقَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ ثُمَّ أَحَالَ السَّاكِتَ عَلَيْهِ وَوَكَّلَهُ بِقَبْضِ السِّعَايَةِ مِنْهُ اقْتِضَاءً مِنْ حَقِّهِ كَانَ جَائِزًا وَالْوِلَايَةُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِلْمُعْتِقِ وَالْمَوْلَى إذَا أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ بِدَيْنِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ لِيَقْبِضَهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَانَ صَحِيحًا، وَكَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ يَقْبِضُ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى جَرَحَهُ إنْسَانٌ كَانَ الْأَرْشُ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ إمَّا لِلسَّاكِتِ أَوْ لِلْمُعْتِقِ.
وَمَنْ جَنَى عَلَى مُكَاتَبِهِ، أَوْ عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ يَقْبِضُهُ فَيَسْتَعِينُ بِهِ فِي سِعَايَتِهِ، وَلَا تَكُونُ جِنَايَتُهُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِلسِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَتِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِالِاسْتِسْعَاءِ، أَوْ تَضْمِينِ الشَّرِيكِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ السِّعَايَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبَ مِنْهُ مَالًا فِيهِ، وَفَاءً بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَقْرَضَ الْعَبْدَ، أَوْ بَايَعَهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالِاسْتِسْعَاءِ، وَالتَّضْمِينِ وَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ، أَوْ شِقْصًا مِنْهُ، أَوْ بَعْضَهُ فَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْبَيَانُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا سُمِّيَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ مِنْهُ فَأَيُّ مِقْدَارِ عُنِيَ مِنْهُ يُعْتَقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْتَسْعِيهِ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ أَعْتَقَ سَهْمًا مِنْهُ فَالسَّهْمُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: السُّدُسُ كَمَا قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْإِقْرَارِ فَيَسْتَسْعِيَهُ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ.
وَإِذَا أَعْتَقَ أَمَةً بَيْنَهُ، وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ وَلَدَتْ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ يَوْمَ أَعْتَقَ وَلَا يُضَمِّنَهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً حِينَ وَلَدَتْ، وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِكَسْبِهَا.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ رَهْطٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، وَدَبَّرَ الْآخَرُ، وَكَاتَبَ الْآخَرُ، وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمْ أَوَّلُ، فَنَقُولُ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عِتْقُ الْمُعْتِقِ فِي نَصِيبِهِ نَافِذٌ وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ تَقَدَّمَ تَصَرُّفُهُ، أَوْ تَأَخَّرَ، وَتَدْبِيرُ الْمُدَبَّرِ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا نَافِذٌ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ فَإِذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ ضَمَّنَهُ سُدُسَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَرَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِسُدُسِ قِيمَتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ مِنْهُ إنْ سَبَقَ فَلَهُ حَقُّ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ تَضْمِينِهِ، وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ تَدْبِيرَهُ مَانِعٌ مِنْ تَمْلِيكِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُعْتِقِ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ شَرْطُ التَّضْمِينِ إذَا سَبَقَ الْعِتْقُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ اُعْتُبِرَ الْأَحْوَالُ فَقَالَ مِنْ وَجْهٍ: هُوَ قِيَاسٌ لَهُ ثُلُثُ قِيمَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ سَابِقًا مِنْ وَجْهٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا فَيُضَمِّنُهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ وَمِنْ وَجْهٍ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ سُدُسُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ السِّعَايَةَ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ مَضَى الْعَبْدُ عَلَى كِتَابَتِهِ يُؤَدِّي إلَيْهِ مَالَ الْكِتَابَةِ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَإِنْ عَجَزَ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ، وَالْمُدَبَّرَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ نِصْفَيْنِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَا وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْكِتَابِ.
وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، وَدَبَّرَهُ الْآخَرُ، وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَتَرَجَّحُ الْعِتْقُ عَلَى التَّدْبِيرِ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ، وَلِلْمُدَبَّرِ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ فِيمَا إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا ثُمَّ يَغْلِبُ الْعِتْقُ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَلِلْمُدَبَّرِ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: الْكِتَابَةُ مِنْ الثَّالِثِ أَوَّلٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْبِقُ الْعِتْقُ فَيَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ ضَمَانُ قِيمَةِ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُكَاتَبُ يُضَمِّنُ الْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا، وَقِيلَ بَلْ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَأَمَّا فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ الْعِتْقُ أَقْوَى مِنْ تَدْبِيرٍ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ خَمْسَةِ رَهْطٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ، وَدَبَّرَ الْآخَرُ، وَكَاتَبَ الثَّالِثُ نَصِيبَهُ، وَبَاعَ الرَّابِعُ نَصِيبَهُ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَتَزَوَّجَ الْخَامِسُ عَلَى نَصِيبِهِ، وَلَمْ يُعْلَمُ أَيُّهُمْ أَوَّلٌ فَنَقُولُ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَحُكْمُ الْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ التَّضْمِينَ، وَالِاسْتِسْعَاءَ هُنَاكَ فِي الثُّلُثِ، وَهُنَا فِي الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُدَبَّرِ الْخُمُسُ هُنَا فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، أَوْ قَالَ الْبَائِعُ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي كَانَ بَعْدَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا يُبَاعُ فَالْمُبْطِلُ لِلْبَيْعِ ظَاهِرٌ فِي الْحَالِ، أَوْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَاسْتَسْعَاهُ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ وَالْمُدَبَّرَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ إذَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَيَرْجِعَانِ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ، أَوْ التَّدْبِيرِ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَلَهَا خُمُسُ قِيمَتِهِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنْ هُوَ كَالْمُكَاتَبِ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ فَلَهَا الْخِيَارُ لِلتَّغَيُّرِ إنْ شَاءَتْ تَرَكَتْ الْمُسَمَّى، وَضَمَّنَتْ الزَّوْجَ خُمُسَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَتْ أَجَازَتْ، وَأَعْتَقَتْ، وَاسْتَسْعَتْ الْعَبْدَ فِي خُمُسِ قِيمَتِهِ، وَوَلَاءُ خُمُسِهِ لَهَا وَإِنْ شَاءَتْ ضَمَّنَتْ الْمُعْتِقَ وَالْمُدَبِّرَ خُمُسَ قِيمَتِهِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ لَا تَتَصَدَّقُ هِيَ بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِمَالٍ فَيَتَصَدَّقُ بِرِبْحٍ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ، وَالْمَرْأَةُ تَمَلَّكَتْ ذَلِكَ لَا بِأَدَاءِ مَالٍ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِي حَقِّهَا.
فَأَمَّا نَصِيبُ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إنْ أَدَّى الْبَدَلَ إلَيْهِ عَتَقَ مِنْ قِبَلِهِ وَإِنْ عَجَزَ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبَّرَ، وَالْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ نِصْفَيْنِ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فَالْجَوَابُ فِي الْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا قُلْنَا، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ الْبَيْعُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعِتْقُ ثُمَّ التَّدْبِيرُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَإِذَا اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ خُمُسَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ الْبَيْعُ ثُمَّ التَّدْبِيرُ ثُمَّ الْعِتْقُ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْضَاءَ لِلتَّدْبِيرِ ضَمِنَ الْمُدَبَّرُ خُمُسَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ فَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ التَّزْوِيجُ ثُمَّ الْعِتْقُ ثُمَّ التَّدْبِيرُ فَاخْتَارَتْ الْإِجَازَةَ ضَمَّنَتْ الْمُعْتِقَ خُمُسَ الْقِيمَةِ لَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَتْ الْغُلَامَ فِي خُمُسِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ التَّزْوِيجُ ثُمَّ التَّدْبِيرُ ثُمَّ الْعِتْقُ ضَمَّنَتْ الْمُدَبَّرَ خُمُسَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا لَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِخُمُسِ الْقِيمَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرٍّ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اخْتِلَافَهُمَا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ.
فَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمَا كَمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُضَمِّنَهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقِيَاسِ مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُكَاتَبِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْعَبْدِ شَرِيكٌ سَادِسٌ، وَهَبَ نَصِيبَهُ لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَا يَعْلَمُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ، أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ فَإِنْ قَالَ: الْهِبَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَالَ: الْهِبَةُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ، ثُمَّ يَقُومُ الْأَبُ فِي نَصِيبِ الِابْنِ مَقَامَ الِابْنِ إنْ لَوْ كَانَ بَالِغًا فِي التَّضْمِينِ، أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِعْتَاقِ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ، وَالْمُدَبَّرُ مُوسِرَيْنِ ضَمَّنَهُمَا سُدُسَ قِيمَتِهِ لِلِابْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ وَلِلْأَبِ وِلَايَةُ الْكِتَابَةِ فِي مَالِ وَلَدِهِ.
وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ، وَلَا يَهَبَهُ، وَلَا يُمْهِرَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ طَرَحَ الْفَضْلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِسْعَاءِ مِنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ اسْتَسْعَاهُ وَصَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ فَالْفَضْلُ مَرْدُودٌ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عُرُوضٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ جَازَ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ مِنْ السِّعَايَةِ عَلَى عُرُوضٍ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْكِتَابَةِ سَقَطَ عَنْهُ مَا الْتَزَمَ مِنْ الْعُرُوضِ وَيُجْبَرُ عَلَى السِّعَايَةِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّرِيكَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَتَهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِسْعَاءِ مِنْهُ، وَاخْتِيَارُهُ السِّعَايَةَ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي تَضْمِينِ الشَّرِيكِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ فَيُضَمِّنَهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَالَ قَدْ اخْتَرْت السِّعَايَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّرِيكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْخِيَارُ فِي هَذَا عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لِلسَّاكِتِ شَرْعًا فَمَنْ يَخْتَارُ بِنَفْسِهِ يَكُونُ مُلْتَزِمًا إيَّاهُ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى يَمُوتَ الْمُعْتِقُ كَانَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّضْمِينِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ بِالْعِتْقِ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ وَإِذَا بَاعَ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعْتِقِ، أَوْ وَهَبَهُ عَلَى عِوَضٍ أَخَذَهُ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا وَاخْتِيَارَ الضَّمَانِ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِنَصِيبِهِ مِنْهُ بِعِوَضٍ يَسْتَوْفِيهِ مِنْهُ، وَالتَّضْمِينُ لَيْسَ إلَّا هَذَا غَيْرَ أَنْ هَذَا فُحْشُهُمَا؛ لِأَنَّ فِي التَّضْمِينِ تَمْلِيكًا حُكْمًا بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعِتْقِ، وَفِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ بِعِوَضٍ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ بِسَبَبٍ يَنْشَآنِهِ فِي الْحَالِ، وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَبِاعْتِبَارِ السَّبَبِ كَانَ هَذَا أَفْحَشُ وَبِاعْتِبَارِ حُكْمِ السَّبَبِ كَانَ هَذَا، وَالتَّضْمِينُ سَوَاءٌ، وَالْمَقْصُودُ الْحُكْمُ دُونَ السَّبَبِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعِوَضُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ الدَّنَانِيرِ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الصُّلْحِ، وَإِنْ دَبَّرَ السَّاكِتُ نَصِيبَهُ فَتَدْبِيرُهُ اخْتِيَارٌ لِلسِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ التَّضْمِينِ تَمْلِيكُ نَصِيبِهِ مِنْ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ، وَقَدْ فَوَّتَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَلَاءَ نَصِيبِهِ فَكَانَ ذَلِكَ إبْرَاءً لِلْمُعْتِقِ عَنْ الضَّمَانِ، وَاخْتِيَارًا لِلسِّعَايَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ نِصْف قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ بِإِعْتَاقِ الْمُعْتِقِ، وَكَانَ نَصِيبُهُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ مُدَبَّرًا فَلِهَذَا ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانُ الَّذِي بَيَّنَّا فِي الْقِيَاسِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ رُبُعَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ، وَعَلَى الْعَبْدِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْمُدَبَّرِ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ فَأَعْتَقَهُ الْكَبِيرُ، وَهُوَ غَنِيٌّ وَلِلصَّغِيرِ أَبٌ، أَوْ وَصِيٌّ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ التَّضْمِينِ، أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لِلْأَبِ، وَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَلَا وَصِيٌّ أَسْتُؤْنِيَ بِهِ بُلُوغُهُ لِيَخْتَارَ إمَّا الضَّمَانَ، أَوْ الْإِعْتَاقَ، أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا قَاضِيَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا يَخْتَارُ التَّضْمِينَ، أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لِلصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ التَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِ الصَّبِيِّ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَكَانَ الصَّبِيِّ مُكَاتَبٌ، أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الضَّمَانِ، وَالسِّعَايَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَا يَحْتَمِلُهُ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمَأْذُونِ فَأَمَّا التَّضْمِينُ، وَالِاسْتِسْعَاءُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ أَنْ يُكَاتِبَ، وَالِاسْتِسْعَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ فَأَمَّا فِي الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتِبَ، وَلَكِنْ قَالَ سَبَبُ الِاسْتِسْعَاءِ قَدْ تَقَرَّرَ، وَهُوَ عِتْقُ الشَّرِيكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْفَعَ مِنْ التَّضْمِينِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً، وَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ الْمَأْذُونُ التَّضْمِينَ، أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ، فَوَلَاءُ نَصِيبِهِمَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى كَمَا يَكُونُ بَيْنَ حُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْعَبْدِ: إنْ دَخَلْت الْمَسْجِدَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ: لَهُ الْآخَرُ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الْمَسْجِدَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَنِثَ صَاحِبِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَسْقُطُ نِصْفُ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ شَاهِدٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدَانِ سَالِمٌ، وَبُزَيْغٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ دَخَلْت الْمَسْجِدَ الْيَوْمَ فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الْيَوْمَ فَبُزَيْغٌ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَا يُدْرَى أَدَخَلَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهُمَا يَقُولَانِ تَيَقَّنَ الْقَاضِي بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا وَسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِوُجُوبِ مَا تَيَقَّنَ سُقُوطَهُ، كَمَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ سَقَطَ نِصْفُ الصَّدَاقِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهَا مِنْهُنَّ مَجْهُولًا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ مَعْلُومًا جَازَ الْقَضَاءُ بِهِ فَهُنَا أَيْضًا الْمَقْضِيُّ لَهُ بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ الْعَبْدُ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مَجْهُولًا بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ هُنَاكَ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ جَمِيعًا فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا كَاذِبَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا، وَهُنَا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمَوْلَيَيْنِ حَانِثٌ لَا مَحَالَةَ.
ثُمَّ تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ مُوسِرَيْنِ كَانَا، أَوْ مُعْسِرَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَيَسَارُ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَيَتَوَزَّعُ السَّاقِطُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي، وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَمْ يَسَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَيَتَبَرَّى مِنْ السِّعَايَةِ فَإِنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ يَسْعَى فِي رُبُعِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ، وَالْمُوسِرُ يَقُولُ شَرِيكِي مُعْتِقٌ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلِي حَقُّ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي رُبُعِ قِيمَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرَّأَ مِنْ السِّعَايَةِ فَإِنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ، وَيَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالْحُجَّةِ.
رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَمْرُ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ فِي جِنَايَتِهِ، وَشَهَادَتِهِ، وَنِكَاحِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ، وَهَبَهُ مِنْ إنْسَانٍ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً حَلَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ نُفُوذِهِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ الْمَرِيضِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ، وَالْهِبَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ نُفُوذِهِ يَتَوَقَّفُ مِنْ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَبْرَأَ فَيَكُونَ مُتَصَرِّفًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، أَوْ يَمُوتَ فَيَكُونَ مُتَصَرِّفًا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ بِالْإِبْطَالِ بَعْدَ النُّفُوذِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْهُمْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ التَّصَرُّفِ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ فِي الثَّانِي، وَالْعِتْقُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَيُوقَفُ مِنْهُ حَتَّى إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَافِذًا، وَأَنَّ فِي الْجِنَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ كَحَالِ الْحُرِّ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ، وَصِيَّةٌ لَا تَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَمَادَامَ يَسْعَى فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ سِعَايَتَهُ فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ يَكُونُ كَالْمُكَاتَبِ مَادَامَ يَسْعَى بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ يُعْتِقُهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنَّ السِّعَايَةَ هُنَاكَ لَيْسَ فِي بَدَلِ الرَّقَبَةِ بَلْ فِي الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ فَلَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ الرَّقَبَةِ لَهُ، وَهُنَا السِّعَايَةُ فِي بَدَلِ الرَّقَبَةِ فَلَا تَسْلَمُ لَهُ رَقَبَتُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا.
وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَضْمَنْ حِصَّةَ شَرِيكِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا هُوَ ضَامِنٌ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ تُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِتْلَافِ، وَالْإِفْسَادِ فَإِذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ هُوَ، وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، كَضَمَانِ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُتْلَفَاتِ، وَهَذَا ضَمَانُ التَّمَلُّكِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّحِيحُ، وَالْمَرِيضُ كَالضَّمَانِ بِالِاسْتِيلَادِ، وَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ ثُمَّ الْمُكَاتَبُ لَوْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ كَانَ ضَامِنًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَالْمَرِيضُ أَوْلَى.
وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَبْلُ: أَنَّ الضَّمَانَ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ يَعْنِي أَنَّ تَرِكَتَهُ تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بِالْمَوْتِ فَلَوْ اسْتَوْفَى ضَمَانَ الْعِتْقِ إنَّمَا يَسْتَوْفِي مِنْ مَالِ الْوَارِثِ وَلَا سَبَبَ لِوُجُوبِ هَذَا الضَّمَانِ عَلَى الْوَارِثِ.
(فَإِنْ قِيلَ) لَا كَذَلِكَ بَلْ هَذَا دَيْنٌ لَزِمَهُ فَيَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمَالِ إلَى وَارِثِهِ.
(قُلْنَا) مَا لَزِمَهُ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الشَّرِيكُ ضَمَانَهُ، وَلَوْ لَزِمَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ يَتَقَرَّرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُسْرَةَ تَمْنَعُ وُجُوبَهُ، وَمِثْلُ هَذَا الدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ ثُمَّ تَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ هَذَا فِي الصُّورَةِ دَيْنٌ وَفِي الْمَعْنَى صِلَةٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِإِكْمَالِ الصِّلَةِ، وَهُوَ الْعِتْقُ وَالصِّلَةُ، وَإِنْ تَقَرَّرَ سَبَبُهَا فِي حَيَاتِهِ يُجْعَلُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ مِنْ الثُّلُثِ وَلِهَذَا الْحَرْفِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إنْ كَانَ الضَّمَانُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يَجِبُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الصِّلَاتِ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْوَارِثِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِ الْوَارِثِ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ الْمَرَضَ أَنْفَى لِلضَّمَانِ مِنْ الْفَقْرِ حَتَّى أَنَّ الْفَقْرَ لَا يَمْنَعُ ضَمَانَ الْكَفَالَةِ، وَالْمَرَضُ يَمْنَعُ مِنْهُ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِذَا كَانَ الْفَقْرُ يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ لِلْعِتْقِ أَصْلًا فَلَأَنْ يَنْفِيَهُ مِنْ مَرَضِ الْمَوْتِ أَصْلًا أَوْلَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ يَجِبُ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ يَدًا، وَتَصَرُّفًا إنَّمَا يَنْعَدِمُ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ، وَالْغِنَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْغِنَى فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الْعِتْقِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْيُسْرُ، وَالْأَدَاءُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مُتَيَسِّرٌ هُنَاكَ مِنْ كَسْبِهِ، وَالْمُكَاتَبُ فِيمَا يَتَقَرَّرُ مِنْهُ مِنْ أَسْبَابِ الصِّلَةِ كَالْحُرِّ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْيَسِيرَةَ تَصِحُّ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَمِنْ الْمَرِيضِ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ تَقَرَّرَ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي الصِّلَاتِ فَيَتَقَرَّرُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ فِي صِحَّتِهِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ فِي مَرَضِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُعْتِقُ: أَعْتَقْته، وَأَنَا مُعْسِرٌ عَامَ أَوَّلٍ ثُمَّ أَصَبْت مَالًا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَعْتَقْته عَامَ أَوَّلٍ، وَأَنْتَ مُوسِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ يَتَبَدَّلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ السَّاكِتِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْيَسَارَ، وَالضَّمَانَ لِنَفْسِهِ بِسَبَبِهِ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ ضَرَبْته سَوْطًا فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ سَوْطَيْنِ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمَا فَفِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمَانِ حُكْمُ الْعِتْقِ، وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ أَمَّا حُكْمُ الْعِتْقِ أَنَّهُ يُعْتِقُ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَضْرِبْهُ لِوُجُودِ شَرْطِ حِنْثِهِ حِينَ ضَرَبَهُ سَوْطًا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَلِلضَّارِبِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا سَوْطًا وَبَيْنَ أَنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ مُعْتِقًا لَهُ، وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِضَرْبِ السَّوْطِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إيجَادَ الشَّرْطِ مِنْ الضَّارِبِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي الضَّمَانِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا سَوْطًا، وَأَمَّا حُكْمُ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الضَّارِبَ يَضْمَنُ نِصْفَ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بِضَرْبِ السَّوْطِ الْأَوَّلِ لَاقَى مِلْكًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَدْ انْقَطَعَتْ سِرَايَةُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ بَعْدَهَا، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَمَالِيكِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَلِهَذَا يَضْمَنُ لَهُ نِصْفَ النُّقْصَانِ بِالسَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي مَالِهِ ثُمَّ يَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الْآخَرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ؛ حِينَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ، وَعَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ بَعْدَ السَّوْطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ السَّوْطَيْنِ جَمِيعًا وَأَحَدُهُمَا صَارَ هَدَرًا، وَالْآخَرُ مُعْتَبَرٌ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ، وَيَجْمَعُ ذَلِكَ مَعَ نُقْصَانِ السَّوْطِ الثَّانِي فَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ صَارَتْ نَفْسًا فَمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِهَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهَذَا تَرِكَةُ الْعَبْدِ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الشَّرِيكُ مَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ فَيَرْجِعُ فِي تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَهُ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ قَدْ صَارَ لَهُ فِي الْكُلِّ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-: لَا يَغْرَمُ نُقْصَانَ السَّوْطِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ الْبَعْضِ عَتَقَ كُلُّهُ، وَالنُّقْصَانُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ، وَلَكِنْ يَجِبُ نِصْفُ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ لِوَارِثِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمُعْتِقِ، وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِمَّا ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَإِنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ نُقْصَانِ السَّوْطِ الْآخَرِ، وَمِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِسَوْطَيْنِ بَلْ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَوْفِيهِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ بَيْنَ الشَّرِيكِ، وَالْمُعْتِقِ، وَبَيْنَ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الضَّارِبِ مِنْ الْعَصَبَةِ.
لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّ الضَّارِبَ قَاتِلٌ فَيَكُونُ مَحْرُومًا عَنْ الْمِيرَاثِ، وَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَيَقُومُ أَقْرَبُ عَصَبَةٍ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا الْوَاجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الضَّارِبُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَهُوَ السِّعَايَةُ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فِي الْكُلِّ لَهُ عِنْدَهُمَا وَإِذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا مَعَ غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عِتْقِهِ أَنْ يَمْلِكَ مَمْلُوكًا مُطْلَقًا، وَنِصْفُ الْمَمْلُوكِ لَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الِاسْمُ فَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَمَّ حِينَ صَارَ الْمِلْكُ فِي الْكُلِّ لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْلِكَ الْمَمْلُوكَ جُمْلَةً، أَوْ مُتَفَرِّقًا، وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي مِلْكِهِ مَمْلُوكٌ تَامٌّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمِلْكَ التَّامَّ.
وَلَوْ قَالَ لِمَمْلُوكٍ بِعَيْنِهِ: إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ بَاعَ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَمَّ حِينَ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَالْمَوْجُودُ فِي مِلْكِهِ هَذَا النِّصْفُ يَعْتِقُ، وَالْقِيَاسُ فِي الْمُعَيَّنِ، وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالِاجْتِمَاعُ فِي الْمِلْكِ، وَصْفٌ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُعَيَّنِ (وَالثَّانِي) الْعَادَةُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ مَا مَلَكْت قَطُّ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ مُجْتَمِعًا لَا مُتَفَرِّقًا، وَفِي الْمُعَيَّنِ لَا يَقُولُ مَا مَلَكْت هَذِهِ الْمِائَةَ دِرْهَمٍ إذَا كَانَ مِلْكُهَا مُتَفَرِّقًا.
وَإِنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ تَمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْقَبْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ عَتَقَ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ حَتَّى يَنُوبَ، قَبَضَهُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ فَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَيَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِذَا جَنَى الْمُسْتَسْعَى فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَمِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ بَاقٍ، وَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ فَيَكُونُ كَالْمُكَاتَبِ فِي جِنَايَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْأُولَى حُكِمَ فِي الثَّانِيَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى بِالْقَضَاءِ تَحَوَّلَتْ إلَى كَسْبِهِ فَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِالْأُولَى تَحَاصَّا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِاعْتِبَارِهِمَا إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ.
وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَوَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَجِنَايَتِهِ بِيَدِهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ آخَرُ اشْتَرَكُوا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِاسْتِنَادِ الْجِنَايَتَيْنِ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْحَفْرُ، وَلَا يَجِبُ بِالسَّبَبِ الْوَاحِدِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِهِ قَتِيلٌ سَعَى فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ دَارِهِ إلَيْهِ فَكَانَ حُكْمُ الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِيهَا كَحُكْمِ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ بِيَدِهِ، وَمَا أَفْسَدَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَهُوَ عَلَيْهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ.
وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ، وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ نِصْفَ قِيمَةَ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلسِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهُ بِإِعْتَاقِ الْجَنِينِ اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُ، وَهُوَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ وَلَوْ اكْتَسَبَ سَبَبَ الْوَلَاءِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي تَضْمِينِ الشَّرِيكِ؛ وَلِأَنَّهُ مَنَعَ تَمْلِيكَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الشَّرِيكِ بِالضَّمَانِ فَلِهَذَا صَارَ بِهِ مُخْتَارًا لِلسِّعَايَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَا جَمِيعًا مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا الْأُمَّ، وَهُوَ مُوسِرٌ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ بَعْدَ إعْتَاقِ الْجَنِينِ كَانَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَقَدْ امْتَنَعَ عَلَى السَّاكِتِ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ الشَّرِيكِ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا إنْ شَاءَ، وَالْحَبَلُ نُقْصَانٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ لَا زِيَادَةٌ فَإِنَّمَا يُضَمِّنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا، وَهِيَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.